جذب أصحاب المواهب واستبقاؤهم للعمل يشكّل تحديًا كبيرًا أمام الشركات الناشئة، لا سيما في البيئة الريادية التي قد لا يشعر فيها الموظفون بالاستقرار والأمان الوظيفي. ولمواجهة هذا التحدي، تلجأ الشركات إلى استراتيجيات تهدف إلى تقديم امتيازات للموظفين تعوّضهم عن غياب الاستقرار الوظيفي وانخفاض الرواتب في المرحلة الحالية.
من بين هذه الاستراتيجيات، خطة تملّك الموظفين للأسهم (Employee Stock Ownership Plan) أو اختصارًا (ESOP). تقوم هذه الخطة على منح الموظفين ملكية في الشركة عبر الأسهم، وتهدف بشكل عام إلى جذب الموظفين والاستشاريين والخبراء الذين تحتاج الشركات الناشئة إلى خبراتهم لتتمكن من التطوّر. كما تهدف إلى تحفيز الموظفين الحاليين وتشجيعهم على بذل مزيد من الجهد بما يساهم في تحقيق أهداف المؤسسة، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع قيمة الشركة الناشئة مستقبلًا وبالتالي تحقيق الموظفين أرباحًا من خلال الأسهم التي يمتلكونها.
تبقى الأسهم ملكًا للموظفين طوال فترة عملهم في الشركة، وقد يختلف عدد الأسهم المملوكة من قِبل الموظفين القدامى عن تلك التي يمتلكها الموظفون الجدد، وذلك وفقًا لرؤية الشركة. أما بالنسبة إلى الشركات الناشئة، فإن منح الموظفين ملكية في الشركة يشكّل عاملًا أساسيًا في بناء ثقافة مؤسسية قوية ومتجانسة. فعندما يشعر الموظف بامتلاكه حصة في الشركة، يزداد تحفيزه لأن أرباحه تصبح مرتبطة مباشرةً بأرباح الشركة. ومن خلال هذه الاستراتيجية أيضًا، تستطيع الشركات الناشئة تقليل النفقات النقدية عندما تكون السيولة محدودة، مع الحفاظ على قدرتها على تغطية النفقات التشغيلية وغيرها من الالتزامات المالية.
عند اعتزام تطبيق خطط تملّك الموظفين للأسهم، هناك عددٌ من الاعتبارات القانونية والعملية التي يتوجّب على الشركات مراعاتها، من أبرزها توقيت التملّك وممارسة عقود الخيارات. إذ تتضمن خطط ملكية الأسهم عادةً فترات تملّك يُشترط خلالها بقاء الموظفين مع الشركة قبل أن يتمكنوا من التمتع بامتيازات ملكية الأسهم بحرية، مما يتطلب توثيقًا وإطارًا قانونيًا واضحًا وملزمًا.
إضافةً إلى ذلك، يجب التأكد من أهلية الموظفين وفق معايير محددة يتم الإفصاح عنها بما يتوافق مع اللوائح التنظيمية، إلى جانب الحصول على التوثيق والموافقات المؤسسية اللازمة، بما في ذلك قرارات مجلس الإدارة وموافقات المساهمين، والاحتفاظ بها لدعم إصدار الأسهم ضمن خطط التملك. كما ينبغي أن تتوافق هذه الوثائق مع متطلبات نظام الشركات والأنظمة واللوائح الأخرى ذات الصلة.
ليس من المستغرب أن يمتلك الموظفون، إلى جانب المؤسسين والمستثمرين، أسهماً في الشركات الناشئة التقنية، لا سيما في مراحلها الأولى. ومن الحوافز التي تدفع الشركات الناشئة إلى التسجيل في أماكن مشهورة لتسجيل الشركات، مثل جزر “كايمان” وجزر “العذراء البريطانية” و”سوق أبو ظبي العالمي”، أن قوانين تلك الأماكن تتيح منح فئات من الأسهم للموظفين بمستويات مختلفة.
ولتسهيل هذا الأمر، وتماشياً مع خطط التطوير الاقتصادي، أقرّت المملكة العربية السعودية عدداً من القوانين واللوائح التي تتيح وتنظّم خطط ملكية الأسهم للموظفين، بهدف ضمان الامتثال والتنفيذ الفعّال. إذ تنظم هذه القوانين واللوائح عملية منح الموظفين أسهماً في الشركة. وفيما يلي بعض الجوانب التنظيمية المتعلقة بذلك.
ومن أبرز هذه اللوائح: اللائحة التنفيذية لنظام الشركات الخاصة بشركات المساهمة المدرجة، التي تشير في المادة التاسعة والعشرين الخاصة بالأسهم المخصصة للموظفين، إلى أنه إذا كان الغرض من شراء الشركة لأسهمها تخصيصها لموظفي الشركة ضمن برنامج أسهم الموظفين، فيجب على الشركة، بالإضافة إلى الضوابط الأخرى المتعلقة بشراء أسهمها، استيفاء الشروط التالية:
بالإضافة إلى ذلك، طوّرت المملكة إطارًا قانونيًا حديثًا يسمح للشركات الناشئة بإصدار أسهم للموظفين، وغيرها من وسائل التمويل المبتكرة، كما يدعم ويعزز البيئة الريادية؛ وفيما يلي بعض من هذه اللوائح والقوانين:
لائحة حوكمة الشركات: أصدرت هيئة السوق المالية لائحة حوكمة الشركات، التي تتضمن أحكامًا تتعلق ببرامج منح العاملين أسهمًا في الشركة أو نصيبًا من الأرباح التي تحققها، بالإضافة إلى برامج التقاعد، وتأسيس ميزانية مستقلة للإنفاق على تلك البرامج. وتتطلب هذه اللائحة من الشركات الإفصاح عن المعلومات المتعلقة بخطط ملكية الأسهم، بما في ذلك عدد الأسهم التي سيتم إصدارها، وشروط الخطة، ومعايير أهلية الموظفين، مع ضمان تنفيذ هذه الخطط بما يتماشى مع مبادئ الحوكمة. وقد أكدت المادة (11) من لائحة حوكمة الشركات في السعودية أن من “اختصاصات الجمعية العامة غير العادية تخصيص الأسهم المصدرة عند زيادة رأس المال، أو جزء منها، للعاملين في الشركة أو الشركات التابعة لها أو بعضها، أو لأي غرض آخر من ذلك القبيل”. أما المادة (21)، فقد أدرجت ضمن الوظائف الأساسية لمجلس الإدارة “تحديد أنواع المكافآت التي تُمنح للعاملين في الشركة، مثل المكافآت الثابتة، والمكافآت المرتبطة بالأداء، والمكافآت في شكل أسهم، بما لا يتعارض مع اللائحة التنفيذية لنظام الشركات الخاصة بشركات المساهمة المدرجة”.
نظام الشركات السعودي الجديد: يوفّر نظام الشركات السعودي إطارًا قانونيًا عامًا لعمل الشركات في المملكة، ويحدّد الإجراءات اللازمة لإصدار الأسهم الجديدة، بحيث يتعيّن على الشركات الالتزام بها لإصدار الأسهم للموظفين بشكل قانوني. كما ينظّم النظام حقوق المساهمين، بما في ذلك أولئك الذين يحصلون على الأسهم عبر خطط ملكية الأسهم، مما يضمن للموظفين التمتع بالحقوق نفسها التي يتمتع بها بقية المساهمين. وفي المادة 72، أجاز النظام “تقديم القروض والضمانات التي تمنحها الشركة وفق برامج تحفيز العاملين فيها التي تمت الموافقة عليها وفق أحكام النظام الأساسي للشركة أو بقرار من الجمعية العامة”. كما نصّت المادة 127 على أنه يمكن للجمعية العامة غير العادية، في جميع الأحوال، أن “تخصّص الأسهم المُصدرة عند زيادة رأس المال أو جزءًا منها للعاملين في الشركة أو في الشركات التابعة لها أو بعضها، ولا يجوز للمساهمين ممارسة حق الأولوية عند إصدار الشركة الأسهم المخصصة للعاملين”.
لوائح هيئة السوق المالية: تتولى الهيئة الإشراف على تنظيم السوق المالية وتطويرها، وإصدار اللوائح والقواعد والتعليمات اللازمة، بهدف توفير مناخ استثماري ملائم، وتعزيز الثقة في السوق، وضمان الإفصاح والشفافية للشركات المساهمة المدرجة، وحماية المستثمرين والمتعاملين بالأوراق المالية من الممارسات غير المشروعة.
الضرائب واللوائح المالية: قد تختلف الآثار الضريبية على الشركات التي تقدم خطط ملكية الأسهم، ويجب عليها الامتثال لأي لوائح مالية سارية تتعلق بالإفصاح والمحاسبة عن الأسهم الصادرة ضمن هذه الخطط. كما ينبغي على الشركات مراعاة تأثير خطط ملكية الأسهم على التزاماتها الزكوية، وضمان الدقة في الإبلاغ المالي.
وتقدّم “جمعية رأس المال الجريء والملكية الخاصة” (SAVCPEA) لتمكين وتطوير قطاع رأس المال الجريء والملكية الخاصة والربط بينهما، منصة لخطة امتلاك الموظفين للأسهم بالتعاون مع “شركة حماد والمحاضر للمحاماة” تهدف إلى تقليل وقت وتكلفة إنشاء عقود الأسهم على أصحاب الشركات الناشئة. يمكن زيارة المنصة على هذا الموقع: esopme.com.
تساهم خطط تملّك الموظفين للأسهم في تعزيز انتماء الموظفين إلى الشركة وتحفيزهم على العمل بجدية. ومع ذلك، فإن تطبيق هذه الخطط يتطلب دراسة دقيقة وتخطيطًا استراتيجيًا، نظراً لتأثيرها الكبير المحتمل على جولات التمويل وهيكل رأس المال في الشركة، بالإضافة إلى ما تضيفه من تعقيدات إضافية على عملية جمع رأس المال.
بالنسبة للموظفين، يُعد امتلاكهم لأسهم في الشركة الناشئة التي يعملون بها فرصة لتحقيق مكاسب مجزية على المدى الطويل، خصوصاً في مرحلة تخارج الشركة، سواء عبر طرح أسهمها للاكتتاب العام أو الاستحواذ عليها من قبل مستثمر أو شركة أخرى. وفي بعض الأحيان، قد تتاح للموظفين فرصة بيع أسهمهم لمستثمرين يرغبون في شراء أسهم من الشركة خارج إطار جولات التمويل، إلا أن هذه الفرص غالباً ما تظهر في مراحل لاحقة من عمر الشركة الناشئة.
أما على صعيد الشركة، فإن تطبيق خطة تملّك الموظفين للأسهم قد يؤثر بشكل كبير على جدول رأس المال وجولات جمع التمويل. فعادةً ما تخصص الشركة جزءًا من أسهمها لتوزيعها على الموظفين، مما يؤدي إلى خفض نسبة ملكية المساهمين الحاليين. فعلى سبيل المثال، إذا خصصت الشركة 10% من أسهمها لهذا الغرض، فإن حصة جميع المساهمين الآخرين ستنخفض تبعاً لذلك، مما قد ينعكس على تمويل الشركة.
علاوة على ذلك، قد يُعد حجم خطط تملّك الموظفين للأسهم موضوعاً للتفاوض مع المستثمرين خلال جولات التمويل، حيث قد يطلب المستثمرون تخصيص نسبة معينة لضمان وجود حوافز كافية لجذب الموظفين الرئيسيين والحفاظ عليهم. وأخيراً، يُظهر تطبيق هذه الخطط التزام الشركة بمصالح موظفيها ومساهميها، مما يعزز جاذبيتها أمام المستثمرين المحتملين.