جمعية رأس المال الجريء والملكية الخاصة

استراتيجية جمع الاستثمارات والفحص النافي للجهالة مع المستثمرين

عملية جمع الاستثمارات طويلة ويتخلّلها مراحل ومحطّات مختلفة يبغي أن يكون رائد الأعمال مستعدًّا لها. ويتبلور هذا الاستعداد في وضع استراتيجية لتكون بمثابة خطة شاملة تحدّد كيفية تأمين التمويل والاستثمار اللازم للشركة الناشئة، ولرسم خارطة طريق تبيّن الجهات التي ستتعامل معها، وطريقة فعل ذلك، وطريقة إنفاق الأموال، والأهداف المالية وغير المالية.

يلعب اختيار التوقيت المناسب لجمع التمويل دورًا كبيرًا في إنجاح الجولة الاستثمارية، سواء لإنجاح الجولة عبر إقناع المستثمرين بضخ استثمارات في الشركة الناشئة، أو لتجنّب استغراق الجولة فترة طويلة ممّا قد يكلّف الشركة الناشئة الكثير من الوقت الضائع ويؤثّر بالتالي سلبًا على أدائها مما قد يتسبب في صعوبات مالية للشركة الناشئة. ولذلك، لا ينبغي للشركات أن تفكّر في السعي للحصول على التمويل ما لم تصل إلى نقطة يمكنها فيها الالتزام الكامل بالمطالب الصارمة للعملية، وامتلاك بيانات قوية تثبت للمستثمرين أهمية الحصول على هذا الاستثمار الذي سيمكّن الشركة من النموّ وتحقيق أهداف الشركة من خلال الاستثمارات المراد جمعها.

تحتاج الشركة الناشئة إلى وضع استراتيجية لجمع استثمارات لعدة أسباب، مثل التركيز على صناديق ومستثمرين محددين، والتخصيص الأنسب للموارد، واستدامة التمويل، وبناء الثقة. تتيح استراتيجية جمع الاستثمارات للشركة الناشئة أن تحدّد المستثمرين المناسبين الذين يتماشون مع أهداف وطبيعة عمل الشركة الناشئة وخططها المستقبلية.

بالإضافة إلى ذلك، يساعد وضع خطة متقنة لجمع استثمارات في تسريع حصول الشركة الناشئة على الاستثمارات اللازمة ووضع الأسس لاستدامة أعمالها، إلى جانب بناء الثقة مع مستثمرين إضافيين بعدما تصبح الشركة الناشئة ذات استراتيجية واضحة ومدروسة تظهر احترافية فريق العمل في التخطيط. وعلى صعيد الشركة الناشئة نفسها، تؤدي الاستراتيجية الواضحة إلى تعزيز الثقة ضمن فريق العمل، كما تؤكد أنّ الشركة الناشئة لديها مسار واضح للمضي قدمًا.

 

ما المعايير التي ينبغي أخذها في الاعتبار عند وضع استراتيجية لجمع الاستثمارات؟ 

تحتاج الشركات الناشئة إلى جمع استثمارات بشكل مستمر خلال مراحلها المبكرة لتحويل أفكارها إلى واقع أو لتنمية مشاريعها وتوسعتها أو للوصول إلى أسواق أوسع أو لتنمية الفريق وغيرها من الأهداف. ومن المهم أن تكون الشركات على دراية بالتحديات التمويلية المختلفة للتغلب عليها، وذلك من أجل ضمان النجاح في جمع الأموال الكافية أو جمع التمويل في جولات لاحقة. ولذلك، عند وضع استراتيجية لجمع استثمارات، ينبغي للشركة الناشئة أن تأخذ في الاعتبار عدّة معايير تتضمّنها استراتيجية جمع الاستثمارات، نذكر منها ما يلي:

  • نموذج عمل قابل للتطوير:

عند البحث عن جمع استثمارات، يتعيّن على الشركات إقناع المستثمرين بأنّها تمتلك أفكارًا عملية مهمة، ولذلك تتمثّل الخطوة الأولى في إنشاء نموذج عمل قابل للتطوير وجاهز للقياس. ففي الكثير من الأحيان، يرغب المستثمرون في وضع أموالهم في شركة لديها القدرة على النمو والتوسع، وهذا يحتّم على الشركة أن تُظهر للمستثمرين أنّها قادرة على زيادة إيراداتها بأقل قدر من الإنفاق في المستقبل.

  • تقييم الشركة الناشئة:

قبل وضع استراتيجية للتمويل من الضروري إجراء تقييم لشركتك الناشئة. يعتمد تقييم الشركة الناشئة على عوامل مختلفة، مثل الأداء المالي، وتوقعات النمو المستقبلي، وحجم السوق، والمخاطر. تؤثّر هذه العوامل على اختيار المستثمرين المحتملين وتحديد الأسباب التي قد تدفع شركتك إلى البحث عن التمويل، بالإضافة إلى تلبية المتطلّبات التالية مثل نموذج العمل، وتحديد مقدار التمويل، واختيار الشركاء المناسبين.

  • تحديد مقدار الاستثمارات المطلوبة:

يمكن أن يساعد وضع هدف للشركة الناشئة بتوجيه جهودها في الاتجاه الصحيح وإنشاء استراتيجية أكثر ذكاءً لزيادة رأس المال، وتحديد التوقعات المالية الواقعية بشأن العائد المحتمل على الاستثمارات. يجب أن تعرف الشركة مقدار الأموال المطلوبة، سواء طلبت أموالًا من مستثمر ملاك أو قرضًا بنكيًا، كما تحتاج إلى تحديد خطة عمل لتوضيح طريقة إنفاق أموالها.

  • تكلفة جمع الأموال:

يشير الإفراط في جمع الاستثمارات إلى ظاهرة في منظومة الشركات الناشئة تتمثّل في جمع تمويل أكثر مما تحتاجه للنموّ والتوسّع. القدرة على تأمين تمويل ضخم من أصحاب رؤوس الأموال والشركات الكبيرة قد يعطي الشركات الناشئة شعورًا بالنجاح، غير أنّ ذلك قد يؤدّي إلى تخفيف الأسهم (dilution)، أو خفض نسبة الملكية النسبية المساهمين والمستثمرين الحاليين.

  • اختيار الشركاء المناسبين:

بالإضافة إلى جمع الاستثمارات، يفضّل للشركة الناشئة أن تبحث أيضًا عن شركاء محتملين على المدى الطويل، وبالتالي عليها التفكير فيما إذا كان لدى المستثمر خبرة في القطاع الذي تخطط للدخول فيه. ويعتمد اختيار أفضل أنواع التمويل للشركات الناشئة على مجموعة متنوعة من العوامل، مثل المرحلة التي تمرّ بها الشركة، والقطاع الذي تعمل فيه، وإمكانات النمو. ولذلك، من المهم تقييم الخيارات المتاحة بعناية واختيار نوع التمويل الذي يتماشى مع أهداف الشركة طويلة المدى ورؤيتها للنجاح.

  • إعداد عرض استثماري:

مع اختلاف أنواع المستثمرين واختلاف اهتماماتهم، سيكون من الضروري لرائد الأعمال أن يعدّ عرضاً تقديميًا مخصّصًا يتضمّن بعض النقاط الرئيسية حول عمل شركته والفرص التي سيؤمنها التمويل. ليس من الضروري أن يكون العرض مفصّلًا في البداية، بل ينبغي أن يركّز على الإمكانات المهمة للشركة والفرص التي سيوفّرها الحصول على التمويل اللازم.

  • ﺗﺣدﯾد اﻟﻣﺳﺗﺛﻣرﯾن اﻟﻣﻧﺎﺳﺑﯾن:

يتطلّب وضع استراتيجية جمع الاستثمارات أن يحدّد رائد الأعمال المستثمرين المناسبين وفقًا لعدّة عوامل. ولا يقتصر ذلك على نوع المستثمر، سواء كان مستثمرًا ملائكًيا، أو مستثمرًا جريئًا، بل يشمل مختلف أنواع المستثمرين. ومن هذه العوامل، الخبرة في القطاع، والخبرة الفنية، وشبكة التواصل، والسجلّ الاستثماري، والقدرة على مساعدة الشركة الناشئة على النمو.

  • الخبرة في القطاع:

من الضروري أن تحدّد الشركة الناشئة شركاء استثماريين يفهمون خصوصيات وعموميات مجال عمل الشركة. يجب أن يكون لدى المستثمرين الذين يُراد استهدافهم معرفة عميقة بتطوّر القطاع، والقوى المؤثرة في السوق، واتّجاهات السوق، ممّا يساعد الشركة في الحصول على نظرة المستثمر ونصائحه العملية للتعامل مع السوق وتجنب المخاطر.

  • الخبرة الفنية:

يتمتع المستثمرون ذوو الخبرة المهنية بمهارات ريادية تشمل تأسيس الشركات وجمع التمويل. وهذا يجعل من السهل أن يكون المستثمرين يعرفون المرحلة التي تمرّ بها الشركة الناشئة ويدركون متطلّباتها، حتى يتمكنوا من المساعدة في نقل أعمالها إلى مستوى متقدم.

  • شبكة المستثمرين:

عندما تضمّ المحافظ الاستثمارية شركات مختلفة، فهذا يساعد الشركة التي تبحث عن استثمارات على التواصل مع شركاء ومواهب واستشاريين وحتى مستثمرين محتملين آخرين من ضمن هذه المحفظة. ويمكن للمستثمرين الذين يمتلكون شبكة قوية من المعارف والخبرات أن يسهّلوا حصول الشركة الناشئة على الإرشاد والنصائح التي تساعد على تعزيز خطة العمل وتعزيز العمليات.

  • السجلّ الاستثماري:

قد لا يكون المستثمر ذو القدرة المالية مناسبًا في حال افتقر إلى الخبرة في التعامل مع الشركات الناشئة. لذا، يجب إجراء بعض الأبحاث حول السجلّ الاستثماري، لمعرفة ما إذا كان المستثمر المحتمل سبق له العمل أو الاستثمار في مجال مشابه لعمل الشركة.

  • الدعم اللازم للنموّ:

تحتاج الشركات الناشئة إلى أكثر من مجرد دعم مالي، مثل الخبرة والشبكات والعلاقات والخبرات التي يمكن للمستثمرين تقديمها والتي يمكن أن تساعد الشركات الناشئة على تنمية أعمالها. فبالإضافة إلى الأموال التي يمكن للمستثمرين تقديمها، قد يساعدون الشركة كذلك في التواصل مع العملاء أو الشركاء المحتملين، وتقديم إرشادات بشأن قرارات العمل الرئيسية. وفي بعض الحالات، قد يكون لديهم خبرة مع شركات ناشئة مماثلة ممّا يساعد على تجنّب الوقوع في الأخطاء.

ما هو الفحص النافي للجهالة أو عملية التحقق التي يطلبها المستثمرون؟ 

بعد اطّلاع المستثمر على العرض التقديمي، وبعد رغبته في استمرار مناقشة الفرصة، سيقوم المستثمر بطلب مؤسس الشركة الناشئة مشاركة غرفة البيانات التي تحتوي معلومات مفصلة عن أداء الشركة ليبدأ عملية الفحص النافي للجهالة (due diligence). والفحص النافي للجهالة هي عملية يقوم بها المستثمرون تشمل على تحليل بيانات وأداء الشركة الناشئة والمتطلّبات التنظيمية، سواء كانت تجارية حول حالة الشركة في السوق ومدى تنافسيتها وإمكانيات النمو؛ أو مالية حول ميزانية الشركة والتزامها بالقوانين الضريبية وغيرها؛ أو قانونية حول تسجيل الشركة والتزامها باللوائح والقوانين.

يقيّم المستثمرون من خلال الفحص النافي للجهالة جدوى الاستثمار في الشركة والمخاطر المحتملة المرتبطة بالشركة الناشئة التي يريدون الاستثمار فيها، والتأكّد من أنّها تشكّل فرصة استثمارية، كما تساعدهم على اتّخاذ قرارات مدروسة بما يخصّ الاستثمار في الشركة الناشئة، والتفاوض على شروط أفضل، وتقليل المخاطر المحتملة.

لا ينبغي أن يستغرق إجراء الفحص النافي للجهالة وقتًا طويلًا، ومع ذلك، يجب أن يكون الفحص النافي للجهالة معدًّا بصورة جيدة وتتضمّن جميع التفاصيل المطلوبة لاتخاذ القرار. وتشمل عملية الإعداد للفحص النافي للجهالة الاتفاق بين المستثمر والشركة الناشئة، وتوضيح مختلف عمليات الفحص النافي للجهالة، مثل الجدول الزمني والبيانات المستخدمة، ومراجعة الوثائق ذات الصلة، واجتماع المستثمرين مع فريق الشركة، والإجابة على أسئلة المستثمرين، وصولًا إلى إصدار التقرير الذي يقّيم الشركة وفق الفحص النافي للجهالة.

ومن الأمور التي قد يطلب المستثمر من الشركة الناشئة مراجعتها: 

  •  السجلات المالية والإقرارات الضريبية والبيانات البنكية وأي مستندات مالية أخرى توفر معلومات حول السلامة المالية للشركة.
  • الوثائق القانونية مثل عقد التأسيس واللوائح الداخلية، وحصص المساهمين، وأي اتفاقيات قانونية أخرى ذات الصلة.
  • مراجعة حقوق الملكية الفكرية وبراءات الاختراع والعلامات التجارية وحقوق النشر وأي ملكية فكرية أخرى، إن وجدت
  • العقود مع العملاء بهدف فهم أفضل للإيرادات وعلاقات العملاء. من الضروري التأكد من أن عقود عملاء الشركة محدثة وملزمة قانونًا وأنها تفهم التزاماتها التعاقدية.
  • عقود الموظفين واتفاقيات عدم المنافسة وعدم الإفصاح، بالإضافة إلى أي عقود أخرى ذات صلة.

قد يبدو الفحص النافي للجهالة معقدًا نوعًا ما، غير أنّه بالإضافة إلى أهميته للمستثمرين، يساعد الشركات الناشئة في حصولها على الاستثمار المطلوب وبناء أساس متين للنمو المستقبلي.